روائع مختارة | قطوف إيمانية | التربية الإيمانية | مناسك الحج

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة


  مناسك الحج
     عدد مرات المشاهدة: 2476        عدد مرات الإرسال: 0

 

المناسكُ جمع منسك بفتح السين وكسرها، قال القاضي أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن: واشتقاقه من نسكت، وله في اللغة معان:

الأول: تعبدت، ومنه قوله تعالى: وأرنا مناسكنا خص في الحج على عادة اللغة.

الثاني: قال ثعلب: هو مأخوذ من النسيكة، والنسيكة: المخلصة من الخبث، ويقال للذبح نسك. لأنه من جملة العبادات الخالصة لله؛ لأنه لا يذبح لغيره، وادعى ابن عرفة أن معنى نسكت ذهبت، وكل من ذهب مذهبا فقد نسك ولا يرجع إلا إلى العبادة والتقرب. وهو الصحيح.

ولما رأى قوم أن العبادة تتكرر قال: إن نسكت بمعنى تعهدت. انتهى.

وغلبَ إطلاق المناسك على أفعال الحج وشعائره، قال العلامة العثيمين رحمه الله:

النسك: يُطلق ثلاثة إطلاقات؛ فتارة: يراد به العبادة عموماً، وتارة: يراد به التقرب إلى الله تعالى بالذبح، وتارة: يراد به أفعال الحج وأقواله.

فالأول: كقولهم: فلان ناسك، أي: عابد لله عز وجل.

والثاني: كقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162- 163]، ويمكن أن يراد بالنسك هنا:

لتعبد، فيكون من المعنى الأول.

والثالث: كقوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرا} [البقرة: 200]. هذا هو معنى النسك، وهذا الأخير هو الذي يخص شعائر الحج، وهو- أي النسك المراد به الحج، نوعان: نسك العمرة، ونسك الحج.

أما نسك العمرة: فهو ما اشتمل على هيئتها من الأركان والواجبات والمستحبات، بأن يحرم من الميقات، ويطوف بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة، ويحلق أو يقصر.

وأما الحج: فهو أن يحرم من الميقات، أو من مكة إن كان بمكة، ويخرج إلى منى، ثم إلى عرفة، ثم إلى مزدلفة، ثم إلى منى مرة ثانية، ويطوف، ويسعى، ويكمل أفعال الحج. وأنساك الحج عند الفقهاء ثلاثة:

 

الأول: التمتع:

 

التمتع عند الحنفية: هو الترفق بأداء النسكين في أشهر الحج في سنة واحدة، من غير إلمام بينهما بأهله إلماما صحيحا (1). والإلمام الصحيح: هو الذي يكون في حالة تحلله من عمرته، وقبل شروعه في حجته (2).

وعند المالكية: التمتع هو أن يحرم بعمرة، ثم يحل منها في أشهر الحج، ثم يحج بعدها (3). وعند الشافعية: أن يحرم بالعمرة من ميقات بلده ويفرغ منها ثم ينشئ حجا (4).

وعند الحنابلة: أن يحرم بعمرة في أشهر الحج ثم يحرم بالحج من أين شاء بعد فراغه منها (5).

 

الثاني: القران:

 

القران عند الحنفية: هو أن يجمع الآفاقي بين الحج والعمرة متصلا أو منفصلا قبل أكثر طواف العمرة، ولو من مكة، ويؤدي العمرة في أشهر الحج (6).

وعند المالكية: أن يحرم بالحج والعمرة معا، بنية واحدة، أو نيتين مرتبتين يبدأ فيهما بالعمرة، أو يحرم بالعمرة ويردف الحج عليها قبل طوافها أو بطوافها (7).

وعند الشافعية: القران أن يحرم بالعمرة والحج جميعا، أو يحرم بعمرة في أشهر الحج ثم يدخل الحج عليها قبل الطواف (8).

ومثل ذلك عند الحنابلة إلا أنهم لم يشترطوا الإحرام في أشهر الحج (9).

 

الثالث: الإفراد:

 

هو اصطلاحا: أن يهل- أي ينوي- في إحرامه الحج فقط، أو العمرة فقط.

 

المعنى الصحيح للمناسك في القرآن الكريم:

 

يتم استعمال كلمة المناسك للتعبير عن الأعمال التي يقوم بها المسلم أثناء الحج، ويُقال مناسك الحج، وهذا استعمال على ما يبدو خاطئ وفي غير محله.

عند الرجوع إلى النصوص القرآنية فإن النُسك هو ذبح بهيمة الأنعام وذكر اسم الله عليها وإهدائها أو بعض منها للفقراء.

يقول الله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} [سورة الأنبياء: 34].

وهنا واضح من النص السابق أن المنسك له علاقة بذكر اسم الله تعالى على رزقه الناس من بهيمة الأنعام، وما يؤكد هذا المعنى أيضاً النص التالي: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [سورة البقرة: 19].

وفي هذا النص من الواضح أن من يقوم بحلق رأسه قبل بلوغ الهدي محله فعليه الفدية بالصيام أو الصدقة أو نسك وهو تقديم ذبيحة للفقراء.

أما في النص التالي {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} [سورة البقرة: 200].

فبعد قضاء المناسك يقوم المسلمين بذكر الله، وإن كانت المناسك هي أعمال الحج، فيكون معنى النص: فبعد قضاء أعمال الحج فاذكروا الله، أي أن ذكر الله هو خارج عن أعمال الحج، وهذا يناقض النص التالي: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [سورة الأنبياء: 27- 28].

إذن من هذا النص يتبين أن ذكر الله هو من أهم أعمال الحج، ويستقيم بذلك المعنى في نص سورة البقرة {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} على أن قضاء المناسك هنا هو قضاء تقديم الذبائح وبعدها فاذكروا الله.

 

مَشْرُوعِيَّةُ أنساك الْحَجِّ الثلاثة:

 

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ كُل كَيْفِيَّاتِ الْحَجِّ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا (10).

وَيُسْتَدَل لِذَلِكَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإْجْمَاعِ:

أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (11)، وقَوْله تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وَقَوْلُهُ: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (12).

وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَمِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَمِنَّا مَنْ أَهَل بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَل بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَل بِالْحَجِّ. وَأَهَل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ (13). فَأَمَّا مَنْ أَهَل بِالْحَجِّ، أَوْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ (14).

وَأَمَّا الإْجْمَاعُ: فَقَدْ تَوَاتَرَ عَمَل الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ هَذِهِ الأْوْجُهِ كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الأْئِمَّةُ، وَمِنْ ذَلِكَ:

1- تَصْرِيحُ الإْمَامِ الشَّافِعِيِّ الَّذِي نَقَلْنَاهُ سَابِقًا، وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ مَا لاَ أَعْلَمُ فِيهِ خِلاَفًا).

2- قَال الْقَاضِي حُسَيْنٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: (وَكُلُّهَا جَائِزَةٌ بِالإْجْمَاعِ).

3- قَال الإْمَامُ النَّوَوِيُّ: (وَقَدِ انْعَقَدَ الإْجْمَاعُ بَعْدَ هَذَا- أَيْ بَعْدَ الْخِلاَفِ الَّذِي نُقِل عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ- عَلَى جَوَازِ الإْفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ).

4- قَال الْخَطَّابِيُّ: لَمْ تَخْتَلِفِ الأْمَّةُ فِي أَنَّ الإْفْرَادَ وَالْقِرَانَ، وَالتَّمَتُّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ كُلُّهَا جَائِزَةٌ (15).

==========================

الهوامش والمراجع:

(1) لباب المناسك ص 179

(2) شرح اللباب الموضع السابق وانظر 172، 173

(3) متن خليل مع الشرح الكبير 2 / 29، ونحوه في الرسالة وشرحها 1 / 493

(4) منهاج الطالبين للنووي 2 / 127 نسخة شرح المحلي، باختصار قوله: (من مكة) لأنه ليس شرطا في التمتع.

(5) غاية المنتهى 2 / 307

(6) لباب المناسك ص 171، وقارن بالبدائع 2 / 167 وفيه: (أما القارن فهو في عرف الشرع اسم الآفاقي يجمع...) لكن صرح في شرح اللباب ص 172 بقوله: (إن اشتراط الآفاقي إنما هو للقران المسنون، لا لصحة عقد الحج والعمرة).

(7) بتصرف يسير عن متن خليل، والشرح الكبير 2 / 28، وقارن بالرسالة 1 / 493

(8) المنهاج 2 / 127، والمهذب 7 / 163، والسياق للمنهاج وفيه التصريح بشرط: (في أشهر الحج).

(9) المغني 3 / 284، ومطالب أولي النهى 2 / 307 وفيه قوله: (وسواء كان في أشهر الحج أولا).

(10) مختصر المزني ج 8 من طبعة كتاب الأم ص64، وانظر المجموع 7 / 140، وفيه بعض تصحيفات.

(11) سورة آل عمران: 97.

(12) سورة البقرة: 196.

(13) أي في أول إحرامه، ثم قرن بعد ذلك، لما أمره الله به.

(14) حديث عائشة: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع....) أخرجه البخاري (الفتح 1 / 419- ط. السلفية) ومسلم (2 / 870- 871- ط. الحلبي).

(15) المجموع 7 / 141، وشرح صحيح مسلم 8 / 169، ومعالم السنن شرح مختصر سنن أبي داود 2 / 301، وانظر الإجماع في المغني 3 / 276.

الكاتب: د. نايف بن جمعان الجريدان.

المصدر: موقع الملتقى الفقهي.